نحن نتصور الثائر كما نتخيله عبر مطالعتنا للتاريخ. لكن التاريخ، ومهما بلغ
من الدقة فهو يتجاوز تفاصيل هامة من حياة العظماء.
مثلاً لم يتوقف التاريخ مطولاً عند عشق الرئيس جمال عبد الناصر للغناء
والشعر، ولم يركز جيداً على رد الملك (لودفيك) حين أعلمه أن قوات الأعداء
تهاجم الأرياف.
قال الملك: هل جهزت مراسم استقبال (فاغنر) وهو الموسيقي الشهير؟ وهناك أمثلة
كثيرة.
وفي تاريخنا السوري المعاصر عرفنا الشيخ صالح العلي ثائراً في جبالنا
الساحلية، يطارد المستعمر من مكان إلى آخر، وبقيت عدة قضايا لم يتطرق التاريخ
إليها ولعل من أهمها:
الشيخ الثائر والشعر حيث تحدث الأستاذ صالح سلمان في محاضرة مهمة عن أشعار
الشيخ صالح العلي التي كانت زاهرة بالأفكار الوطنية ذات الأبعاد القومية
والإنسانية، وكان الشرق في نظره هو العروبة والإسلام هو التراث العظيم لأمة
العرب الخالدة وهو منبع الهدى.
يقول:
هل الشرق إلا شرق النور والسنا
وروض البها المعطار والمربع الخصب
هل الشرق إلا النجم عزاً ورفعة
يطل على الدنيا وإدراكه صعب
تراث الكماة اليعربيين لم يزل
منيعاً فما تنوي على الشرق ياغرب!
لم تكن القيم الوطنية لديه منفصلة عن القومية، وهو ليس إقليمياً، وكان مدركاً
أن العرب أمة واحدة وأن عزتهم وكرامتهم في وحدتهم وتآلفهم.
هذه الروح القومية الثائرة التي عمر بها قلب المجاهد الشيخ كانت دليله في
جهاده، فالحرية هي المطلب لأنها روح التقدم والرقي، يقول:
نتنزى حمية العرب الأحرار
بركان عزة في فؤادي
أبعث النهضة المقدسة الحرة
روحاً تسير في الأجساد
ومن طبيعة الثائر الحقيقي أن يكون متفائلاً وهو يستند إلى أسس ثابتة في عمله
ونضاله. يخاطب أمته داعياً إياها إلى العمل وعدم اليأس وتحقيق الأهداف.
فيا شرق لا تيأس فدتك نفوسنا
وكل جموح من بني الغرب روْض
كان يطالع التاريخ ويتعلم منه فمعركة وادي ورور كانت ناجحة تماماً لأن الشيخ
استفاد من معركة أحد في توزيع الثوار على الهضاب والجبال ولهذا كان يسخر من
المستعمرين الذين جهلوا التاريخ، يقول مخاطباً:
كيف يا أسفه الأنام جهلتم
ما حكاه التاريخ عنا وسطر
عودة إن جهلتمونا إليه
واقرؤوا من كتابه ما ينشر
هل رأيتم أبناء يعرب هانوا
أو عليهم منكم مليك تآمر
وكان الثائر يهاجم كل متخاذل، ويكره الخيانة والخونة، ويؤكد على أن من يخون
وطنه لا غفران له: يقول:
لا يغفر الوطن الحبيب ذلتنا
إن لم نجاهد رجالاً مجده خذلوا
صونوا البلاد بأرواح غلت ثمناً
فإنما قيمة الأحرار مابذلوا.
وبرؤيته الثاقبة رأى أن الشباب هم عماد الأمة وهم بناة المستقبل والغد الكريم
عندما يتسلحون بالمعرفة وبالمحبة والوفاء والعزيمة الصادقة وحب الوطن
والاعتزاز بتراثه المجيد:
ياشباب اليوم ثوروا لغد
وتآخوا واحفظوا مجد الجدود
عطروا الشرق بزاكي نشركم
ضفروا التاج عبيراً وورود
وهكذا نجد أن المجاهد الشيخ صالح العلي كان يؤمن بالبندقية والكلمة ثائراً
وشاعراً ملتزماً بقضية أمته وشعبه في حياة حرة كريمة داعياً الشعب إلى الوحدة
ونبذ الخلافات لأنها داء يفتك في جسد الأمة.
إن وقفتنا السريعة تلك مع هذه المحاضرة لا تفي بالغرض المطلوب، وكل ما نرجوه
أن يعمل السيد المحاضر على إصدار كتاب في هذا الموضوع الهام، كي يبقى الأثر
الشعري لثائر نعتز به بين أيدي أجيالنا كي يستفاد من تجربته النضالية
والأدبية.